الأثرُ الإسلاميُ في علومِ العمارةِ والتخطيطِ

لقد أثرت الحضارةُ الإسلاميةُ طوالَ تاريخها على شتى العلومِ والمعارفِ ، فكانَ للمسلمينَ الأوائلِ ومن جاءَ من بعدهم يدًا بيضاءً في تطويرِ وتحديثِ مختلفِ النشاطاتِ الإنسانيةِ، بما في ذلكَ علومُ العمارةِ والتخطيطِ الهندسيِ.

 وتركَ المسلمونَ بصماتهم العميقةَ في مختلفِ البلدانِ التي فتحوها أو مروا بها خاصةً في مجالِ العمرانِ والتخطيطِ، فما المقصودُ بعلومِ العمارةِ والتخطيطِ؟ وما هيَ خصائصُ ومميزاتُ العمارةِ الإسلاميةِ والتخطيطِ؟ وكيفَ تأثرت علومُ العمارةِ والتخطيطِ حتى يومنا هذا؟

 محتوياتُ المقالِ:

  • المقصودُ بعلومِ العمارةِ
  • خصائص ومميزاتٍ العمارةِ الإسلاميةِ والتخطيطِ
  • كيفَ تأثرت علومُ العمارةِ والتخطيطِ في العالمِ بإسهاماتِ المسلمينَ ؟
  • دور ابن خلدون وعلماء المسلمين في تأسيس علم العمارة

  المقصودُ بعلومِ العمارةِ

حينما نتحدثُ عن علومِ العمارةِ فإننا نقصدُ ذلكَ المجالَ الذي يهتمُ بمختلفِ نواحي التصميمِ المعماريِ وفَهمِ أسسهِ ومتطلباتهِ، فضلاً عن التقنياتِ المختلفةِ التي تستخدمُ في تصميمِ وإنشاءِ المساحاتِ المختلفةِ من منازلَ وحدائقَ وعماراتٍ سكنيةٍ ومحلاتٍ، إلى المباني الخدميةِ وتخطيطِ المدنِ بأكملها، فهيَ فنُ وعلمُ تخطيطِ وتصميمِ جميعِ المباني بمختلفِ أنواعها.

وقد يخضعُ هذا الفنُ وذاكَ العلمُ لمفاهيمَ فلسفيةٍ أو دينيةٍ تمثلُ إضافةً لهُ، وتضفي عليهِ بعدًا آخر أكثرَ من كونهِ مجردَ تصميمٍ وتخطيطٍ لمساحاتِ أو هياكلِ أبنيةٍ.

 وتهتمُ علومُ العمارةِ بثلاثةِ مباحثِ رئيسيةٍ:

 أولاً: التصميمُ والتخطيطُ المعماريُ: وهوَ الجانبُ الذي يركزُ على تصميمِ وتخطيطِ مختلفِ الأبنيةِ والهياكلِ داخلَ المدنِ وخارجها، معَ مراعاةِ وظيفةِ كلِ مبنى.

 ثانيا: التصميمُ الداخلي: وهوَ يركزُ على الاستخدامِ الأمثلِ للمساحاتِ الداخليةِ للمباني بما يتوافقُ معَ استخداماتها ووظائفها، وإبرازَ المظهرِ الجماليِ لها.

ثالثا: تخطيطُ المدنِ: وهوَ الجانبُ الذي يهتمُ بالتخطيطِ الشاملِ للمدنِ ، ومكوناتها ، ووظائفِ المباني فيها .

 خصائصُ ومميزاتُ العمارةِ الإسلاميةِ والتخطيطِ

لقد تميزَ فنُ العمارةِ الإسلاميةِ والتخطيطِ منذُ نشأتهِ وحتى اليوم بمميزاتٍ عديدةٍ، جعلت منهُ فَنًّا فريدًا يضعُ نفسهُ ضمنَ أبرزِ إنتاجاتِ الحضارةِ الإنسانيةِ على مرِ العصورِ، وقد استلهمَ هذا الفنُ مفرداتهِ من جميعِ البلدانِ التي فتحها المسلمونَ الأوائل، وكذلك الحضاراتُ التي خالطوها .

وقد بدأت علومُ العمارةِ الإسلاميةِ في بدايتها بالمباني الدينيةِ، فكانَ أبرزُ مفرداتها هيَ بناءُ المساجدِ، ثمَ توسعت بعدَ ذلكَ لتشملَ القلاعَ والقصورَ والمقابرَ والمبانيَ العامةَ مثل المدارسِ والحماماتِ العامةِ والعمارةِ المحليةِ، لتصل في النهايةِ إلى تصميمٍ وتخطيطِ وبناءِ المدنِ بما فيها من مباني وطرقٍ وجسورٍ وحدائقَ .

وبالنظرِ إلى إنتاجِ الحضارةِ الإسلاميةِ من العمارةِ والتخطيطِ يمكننا أن نحددَ عددٌ من السماتِ المميزةِ لهذا الفنِ وهيَ سماتٌ تجمعُ بينَ وظيفةِ الأبنيةِ ومظهرها الجماليِ ومنها :

استخدامُ التصميماتِ الهندسيةِ المركبةِ

لقد تميزت المباني الإسلاميةُ باستخدامِ تصميماتٍ هندسيةٍ معقدةٍ كالأشكالِ الهندسيةِ المتجانسةِ والمعقدةِ والتي تضفي على المباني شكلاً جماليًا مبهرًا، معَ استخدامِ الزخارفِ لتزيينِ المباني المختلفةِ كالنقوشِ الفنيةِ والأقواسِ والأعمدةِ المزخرفةِ خاصةً في بناءِ المساجدِ والقاعاتِ.

ولقد طوعت العمارةُ الإسلاميةُ أشكالَ النجومِ والخطوطِ المتشابكةِ والمثلثاتِ والمربعاتِ والمستطيلاتِ، فضلاً عن الأشكالِ الخماسيةِ والسداسيةِ في تزيينِ المباني والأعمدةِ والقبابِ والسقوفِ بطريقةٍ دقيقةٍ تضفي بعدًا جماليًا جذابًا. وربما تظهرُ هذهِ السماتُ كثيرًا في بناءِ المساجدِ والقاعاتِ، وخيرَ دليلٍ على ذلكَ هوَ ما تمَ تنفيذهُ من زخارفَ وتصميماتٍ معقدةٍ ومتشابكةٍ في الجامعِ الأزرقِ في إسطنبول أو جامعٍ السلطانُ أحمد ، وهوَ أحدُ أهمِ مراكزِ الجذبِ السياحيِ في تركيا؛ لما بهِ من براعةِ التصميماتِ والزخارفِ .

 تخطيطُ المدنِ العصريةِ لأهدافٍ متنوعةٍ

أحدُ أبرزِ معالمِ العمارةِ الإسلاميةِ، هوَ تخطيطُ المدنِ العصريةِ بتوازنٍ شديدٍ يلبي حاجاتِ السكانِ اليوميةِ، ومتطلباتهم الدينيةِ، إذ خططَ المسلمونَ مدنهم الجديدةَ بحيثُ تلبي جميعَ حاجاتِ السكانِ من أماكنَ للعبادةِ والتعليمِ إلى مناطقَ للأسواقِ ومناطقَ سكنيةٍ ، كما تميزت المدنُ الإسلاميةُ بتخطيطٍ جيدٍ لجحم الشوارعِ بحيثُ تسهلُ مرورَ وتجوالَ المواطنينَ.

وتعدُ مدينةُ القاهرةِ القديمةِ، خيرَ مثالٍ لتخطيطِ المدنِ الإسلاميةِ إذ تتميزُ بتجمعاتِ الأسواقِ والمباني الخدميةِ من مدارسَ ومستشفياتٍ ومساجدَ ، فضلاً عن مناطقِ السكانِ والترفيهِ.

 التفاعلُ معَ البيئةِ المحيطةِ

تميزَ تخطيطُ وتصميمُ المباني الإسلاميةِ بالتفاعلِ الجيدِ معَ البيئةِ المحيطةِ، إذ استُخدِمت الخاماتُ المتواجدةُ في البيئاتِ المختلفةِ من أجلِ البناءِ والتعميرِ والتزيينِ، ففي الأندلسِ في إسبانيا استخدمَ المسلمونَ الأشجارَ والماءَ والظلالَ لعملياتِ تلطيفِ وتبريدِ الهواءِ لتقليلِ الإحساسِ بحرارةِ الصيفِ.

وفي المنطقةِ العربيةِ استخدموا المباني منخفضةً الارتفاعِ مع الاعتمادِ على النخيلِ في البناءِ والسقفِ، وفي مصرَ استخدموا الحجارةَ الضخمةَ والأعمدةَ المقطوعةَ من الجبالِ والمباني الرومانيةِ القديمةِ لبناءِ وتزيينِ المساجدِ، أما في بغدادَ بالعراقِ، فقد استخدمَ البناؤون المسلمونَ الطينَ والطوبَ للبناءِ وهيَ الموادُ المتاحةُ في البيئةِ المحليةِ .

 استخدامُ القبابِ والأقواسِ

من السماتِ القياسيةِ للعمارةِ الإسلاميةِ استخدامَ القبابِ والأقواسِ المدببةِ والمآذنِ التي تقعُ على المساجدِ، والأقواسُ المدببةُ هيَ أقواسٌ تلتقي في الوسطِ لتشكلِ نقطةٍ فنيةٍ، وتتكونَ معظمُ المساجدِ من قبابٍ وأعمدة.

 استخدامُ الماءِ والحدائقِ في التصميمِ والعمارةِ

برعَ المسلمونَ في استخدامِ الماءِ والحدائقِ كسمةٍ أساسيةٍ في العمارةِ وتصميمِ المباني وتخطيطِ المساحاتِ، إذ استُخدِمت النوافيرُ وبركُ الماءِ لتزيينِ المدنِ وتلطيفِ الجوِ، كما أُنشِئت المساحاتُ الخضراءُ والحدائقُ لإضفاءِ جوٍّ من السكينةِ والجمالِ .

الاهتمامُ بالقاعاتِ المفتوحةِ والفناءِ الداخليِ

اهتمَ المسلمونَ بتصميمِ قاعاتٍ مفتوحةٍ داخلَ المنازلِ والتجمعاتِ السكنيةِ، فضلاً عن تصميمِ الفناءِ الداخليِ الذي يهدفُ إلى تجمعِ الأفرادِ فيهِ للتواصلِ الاجتماعيِ، فضلاً عن دورهِ في إدخالِ التهويةِ المناسبةِ والجيدةِ لهذهِ المباني.

 توفيرُ تقنياتِ الريِ والمياهِ للمباني

أبدعَ المسلمونَ في تصميمِ أنظمةٍ للريِ ، إذ استخدموا تقنياتٌ مائيةٌ من أجلِ توفيرِ المياهِ للتجمعاتِ السكنيةِ والتجاريةِ داخلَ المدنِ، مثلٌ تلكَ القنواتِ المتواجدةِ في المدينةِ المنورةَ بالمملكةِ والتي توزعُ المياهَ للمزارعِ .

 

كيفَ تأثرت علومُ العمارةِ والتخطيطِ في العالمِ بإسهاماتِ المسلمينَ؟

كأيّ مجالٍ دخلهُ المسلمونَ، كانَ لفنونِ العمارةِ والتخطيطِ نصيبٌ كبيرٌ من التأثرِ بما أبدعهُ المسلمونَ خاصةً في العصورِ الوسطى (من القرنِ الخامسِ الميلاديِ إلى العاشرِ) وهيَ العصورُ التي شهدت اضمحلالًا أوروبيٍ قابلهُ ازدهارٌ إسلاميٌ في جميعِ المجالاتِ.

لقد وصلت العمارةُ الإسلاميةُ في هذهِ العصورِ وما تلتها إلى مراحلَ كبيرةٍ من التطورِ والازدهارِ، وكانَ لبناءِ المساجدِ في كلِ بقعةٍ وصلَ إليها المسلمونَ في أوروبا أو آسيا عاملاً مباشرةً في تأثرِ هذهِ البقعِ بهويةِ العمارةِ الإسلاميةِ المتمثلةِ في المساجدِ، خاصةً وأنها تميزت بالزخرفةِ والدقةِ في رسمِ الأشكالِ الهندسيةِ المعقدةِ، وهوَ ما أكسبها بعدًا جماليًا جعلَ منها مصدرًا للإلهامِ والتقليدِ.

وقد أثرت هذهِ الفنونُ في الأوروبيينَ ومن بعدهم الأمريكيينَ، وبدأَ التأثرُ الشديدُ بعدَ تمكنِ المسلمينَ من حكمِ الأندلسِ التي كانت بوابةُ دخولِ العربِ والمسلمينَ لأوروبا .

الأندلسُ شاهدة

لقد ظلت الأندلسُ تحتَ الحكمِ الإسلاميِ 800 عامٍ ، شيدَ خلالها المسلمونَ المدنَ والقصورَ والحدائقَ والمنازلَ والشوارعَ، فضلاً عن المساجدِ والساحاتِ والهياكلِ التجاريةِ، وقد نقلَ المعماريونَ المسلمونَ والعلماءُ معهم ما تميزوا بهِ في فنونِ العمارةِ إلى الأندلسِ. فنقلوا معهم الأقواسَ المدببةَ، والقبابُ العاليةُ، وأشكالَ وزخارفَ السقوفِ والأعمدةِ، كما اهتموا بإنشاءِ الحدائقِ ومجاري المياهِ، وهوَ الأمرُ الذي أدى إلى انتقالِ هذهِ الأساليبِ الإنشائيةِ إلى مختلفِ بقاعِ أوروبا، حتى أنَ الملوكَ الأسبانَ أنفسَهم كانوا يستخدمونَ البنائينَ المسلمينَ في تشييدِ قصورِهم .

الحملاتُ الصليبيةُ والتجارةُ ودورهم في نقلِ الحضارةِ إلى أوروبا

أسهمت كثيرًا الحروبُ الصليبيةُ في نقلِ التراثِ الحضاريِ الإسلاميِ إلى أوروبا، فبعدَ عودةِ الحملاتِ إلى أوروبا، اقتبسَ الجنودُ الأوربيونَ من البلدانِ العربيةِ الإسلاميةِ أساليبَ العمارةِ والبناءِ والتخطيطِ، حتى انتشرت الكنائسُ ذاتُ العمدان الطويلةَ والقبابِ والزخرفةِ المعتمدةِ على الأشكالِ الهندسيةِ، فضلاً عن المنازلِ الواسعةِ ذاتِ الساحاتِ المخصصةِ للتواصلِ الاجتماعيِ.

كما كانَ لتبادلِ التجارةِ بينَ الشرقِ الإسلاميِ والغربِ الأوروبيِ تأثيرًا كبيرًا أيضًا في نقلِ التراثِ المعماريِ الإسلاميِ إلى أوروبا، إذ كانت تنشطُ التجارةُ بينَ مواني مصرَ والشامِ والعراقِ وبينِ إيطاليا، مما أسهمَ في استلهامِ هذا التراثِ إلى مناطقَ واسعةٍ في أوروبا .

دورُ الإسبانِ المهاجرينَ إلى أمريكا في نقلِ التراثِ المعماريِ الإسلاميِ

ساهمَ المهاجرونَ الأسبانُ إلى المكسيكِ ومناطقِ أمريكا الشماليةِ في نقلِ التراثِ المعماريِ الإسلاميِ معهم، وظهرَ التأثرِ في التصاميمِ المعماريةِ الجديدةِ في أمريكا بهذا التراثِ، وهوَ ما ظهرَ جليا في بناءِ الكنائسِ وتزينها بالزجاجِ الملونِ، فضلاً عن التأثرِ الواضحِ بتصميمِ الحدائقِ ومجاري المياهِ في الأندلسِ .

وأخيرًا، لا مجالَ اليومِ لنكران التأثيراتِ الإسلاميةِ العميقةِ في فنونِ وعلومِ التخطيط والعمارةِ طوالَ القرون السابقةِ، إذ أصبحت العمارةُ الإسلاميةُ جزءًا أساسيًا من التراثِ الإنسانيِ العالميِ على مر العصورِ.

دور ابن خلدون وعلماء المسلمين في تأسيس علم العمارة

لقد أدلى الكثيرُ من علماءِ المسلمينِ بخلاصةِ فكرهم واجتهادهم في علومِ العمارةِ والتصميمِ، مما أسهم في إثراء هذه العلوم على مرِ السنينَ، حتى أنه يشار إلى أن العلامةَ المسلمِ ابنُ خلدونَ (المتوفى 808هـ/1406م) هو أولُ من أسسَ علم العمرانِ( وهو العمارةُ والتصميمُ) وذلك في كتابهِ الشهيرِ الجامعِ “المقدمة”. حيث أفردَ فصولًا في كتابهِ لأسسِ العمرانِ وموادهِ وطريقة البناءِ ومواصفاتِ البيوتِ ومختلف الإنشاءاتِ.

كما كتبِ العالمُ المسلمُ أبو حيان التوحيدي (المتوفى بعد 400هـ/1010م) في فلسفةِ البناءِ وأسسهِ مُعدِدًا مرتكزاتِ صناعةِ البناءِ ومواصفاتِ المنازلِ في كتابهِ الفريد “البصائر والذخائر”.

أما الفقيهُ المصريُ عبد الله بن عبد الحكم (المتوفى في 214هـ /829م)، فقد خطَ كتابه “البنيان” الذي شرحَ فيه بالتفصيلِ فقهُ العمارةِ في الإسلامِ مسترشدًا بما تم في مدينة الفسطاطِ التي عاش بها.

وإلى اليومِ مازلت إسهاماتُ العربِ والمسلمينِ مستمرة في فنِ العمارةِ والتصميمِ، فإذا كنتَ ترغبُ في تصميمٍ احترافي عصري يستلهم تراث الماضي بشكل عصري ويقدم لك الاستفادة الأكبر من المساحة المتاحة، فلا تتردد في طلب تصميمك من دانة ديزاين المنصة المتخصصة بخدمات التصميم الداخلي عن بُعد دون عناء أو تعقيدات.

 

المراجع والمصادر:

رقم (1)

رقم (2)

رقم(3)

مصدر الصورة

Photo by Kedar Bhave from Pexels:

https://www.pexels.com/photo/white-painted-buildings-under-blue-sky-2427797/

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *